
“بدونكِ أشعرُ أنني أعمى حقًّا. أمّا وأنا معكْ، فإني أتوصّلُ إلى الشعور بكل شيء، وإلى أنَّ أمتزج بكل الأشياء التي تحيط بي.”
فتاة فرنسية مسيحية هُجرت مع عائلتها من باريس إلى مدينة مونبلييه جنوب فرنسا أبان الحرب العالمية الأولى جمعها لقاء مع طه حسين في يوم 12 مايو عام 1915، فأصبح هذا التاريخ مخلدًا لديهما. لم تكَّن تعلم سوزان أنها في يوماً ما سترتبط بشخص أعمى عربي ومسلم وأنه سيصبح محور حياتها ولكَّن شاء القدر أن تكون زوجة لطه حسين، واختارت ذلك باقتناع وتفكير بعد أن فاتحها بما يكُّن لها من مشاعر صادقة. إنها سوزان بريستو الذي أصبح اسمها فيما بعد سوزان طه حسين.

كَتبت سُوزان هَذِهِ السِّيرةُ وهي في الثَّمانِين من العُمر واستطاعت إعَادة بناء الماضي بالرَّغم مِنْ ضعف نظرها ولكن حين تتحدث عن طَه حسين فهي تَسْتحضِر أدقّ التفاصيل في مسيرة حياةٍ امتدت لستين عامًا ونُحِتت في الذَّاكِرة، وهذا ما تؤكده ابنتها أمِينَة في هذا الاقتباس: “كانت حِين تستعيد المَاضِي، تَصَير مُثيرةٌ للحماس: كَانت ذاكرتها مُذهِلة وبمجرد أن تتكلم عن أبي، تصير مُثيرة للشجون، وكتاب ذكرياتها مَعَك هو البُرهان المؤثر على ذلك..”

هذا القدر من الحب الذي كان عليَّ أن أحمله وحدي، عبئًا رائعًا، ما أكثر ما خفت ألا أتمكن من القيام بمتطلباته بجدارة!
الحب صانع المُعجِزَات فكيف تلتقي ديانات مختلفة كالمسيحية والاسلام إلاَّ إذا وُجِد الحُب، هكذا كانت حياة سوزان وطه حسين مليئة بالحب الذي جعلهما يناضلان معارك الحياة سويًا يداً بيد وقلب بقلب .. إنها علاقة حب وصداقة بُنيت على الاحترام والتفاهم والتقدير وهذا ما جعل حياتهم تستمر و كانت سوزان عينا طه حسين التي يرى بهما العالم وهذا ما سطرته هنا من رسائل متبادلة ما بينهما حينما كانت في فرنسا وهو في مصر.
سوزان “كانت امرأة في الثمانين من عمرها تصرخ بطريقة شجية الحب الخارق الذي عاشته من خلال ما يقارب ستين عامًا للزوج الذي أتت على فقدانه”
هُنا نتعرف على الجانب الإنساني و العاطفي لطَه حسين وحـبه لأبنائه ولعائلته الصغيرة فقد كان أبًا رائعًا وكان يتحدث معهم على قدم المساواة ولم يستخدم لهجة رسمية أو متحفظة معهم. كما ذكرت سوزان حبه و شغفه للموسيقى والمسرح. أما الرامتان ذلك المنزل العائلي حيث قامت سوزان بتصميمه ليكون منزل الراحة والأمان والاستقرار وتقول في استذكار هذه اللحظات “الاحظ أنني أتحدَّث عن هذا البيت بصيغة الماضي، والحق أن الرامتان لن يُبعثَ ثانية”. حول بيت الرامتان بعد وفاة طه حسين لمتحف مفتوح للزوار من هنا

مَعَك سُطرت أحداثه بعيون زوجة لا ترى سوى زوجها ورفيق دربها فقد جسدت صورة الزواج الناجح المتكافئ وصورة عائلة مترابطة يحفها الحب ليحافظ عليها ويجعل بناءها قوي وصلب،إنها سيرة عن ذكرياتها وحياتها مع طه حسين الانسان والزوج والأب والصديق والكاتب والمفكر وجوانب من حياته الأكاديمية والعملية والسياسية, والفترات العصيبة التي مر بها، سوزان تُخَّلد الذكريات في هذه السيرة بسرد ما لا يعرفه غيرها.
سيرة جميلة تُقرأ بحب وقد يكون بها بعض من الإسهاب في غير مكانه ولكن محبي طه حسين سيرونه غير ذلك. وكُتِبْت السيرة باللغة الفرنسية ونقلت للعربية برغبة من سوزان ليقرأها محبي طَه حُسين ويتعرفوا على جوانب من حياته لم تذكر سوى في هذا الكتاب.
توفيت سوزان طه حسين يوم 26 يوليو 1989، بالقاهرة عن عمر يناهز أربعة وتسعين عامًا ولديها من الأبناء أمينة ومؤنس واستغرقت كتابتها لهذه السيرة (سنتين).
قام الفنان الراحل أحمد زكي بأداء دور طه حسين بكل ابداع وتشاركه الفنانة صفية العمري بدور سوزان وذلك في مسلسل الأيام الذي يتحدث عن طفولة ونشأة وتعليم طه حسين ولقاء سوزان وزواجهما حتى وفاته والمسلسل من ثلاثة عشر حلقة وإخراج يحيى العلمي وانتاج سنة 1979 وحلقات المسلسل من هنا ولمشاهدة مراجعة كتاب الأيام لطه حسين من هنا .
- التصنيف الأدبي | سيرة ذاتية
- ترجمة | بدر الدين عرودكي
- عدد الصفحات 377
- الناشر مؤسسة هنداوي (متوفر ايضًا كتاب معك لمحبي الكتب الالكترونية والكندل مجاناً من موقع هنداوي من هنا)