ABEER

باص أخضر يغادر حلب “إنها الحرب العمياء ” لجان دوست

التصنيف: 4 من أصل 5.

“مجدك يا قلعة حلب ع جبين الشمس انكتب وبراجك عشقانة الريح وترابك والله دهب”

سَقَطَت حَلَب.. وأُزهقت أرواح وجنَّ مَنْ جنَّ وهَرب مَنْ هَرب، إذ تنقل الحافلات الخضراء مقاتلو المعارضة وعوائلهم من نساء واطفال وكبار السن ليغادروا حلب بين الطُرُقَات الوعِرة ونقاط التفتيش المفزعة من قِبل جيش النَّظام حيث أصبح الباص الأخضر دلالة ورمز على نزف الوجع السوري في التهجير القسري لأهلها بعد الاتفاق ما بين روسيا وتركيا بموجبه يخرج المدنيين والمقاتلين من بلدتي كفريا والفوعة بجانب الحكومة.. فمفردات التعبير أمام المواقف التي في سُطور الرواية تنعدم. 

علِم أَهْل حَلَبَ أَنَّ سَقْف التّمنّيات يَنْخَفِض فِي الْحُرُوب، بَل يَهْبِط السَّقْف عَلَى التّمنّيات ذَاتِهَا حتّى لَا يَبْقَى مِنْهَا سِوَى تمنّي المَوْت بِسُرْعَة بَدَل الْعَيْشِ فِي رُعْبٌ لَا يُمْكِنُ تحمّله

يجسد جان دوست المأساة السورية عَبَّر عائلة عَبُّود (أبو ليلى) وزوجته (نازلي) وابنائه الأربعة التي فرقتهم الثَّورة وابنته ليلى التي عانت أشد أقوى أنواع الفقْد فنحن أمام رواية مليئة بالمواقف التي تُفطِر القلب منها رحلة الباص الأخيرة الذي حمل أبو ليلى بهمومه وعذابِه وحيداً حاضناً حقيبة الذِّكريات التي تناثر محتواها وهي آخر ماتبقى له فتُجسد لنا المشاهد بزمنين متوازيين فنعيش قسوة الحرب وآثرها باستحضار الغائبين على نغمات عزف ابنه علي على آلة البزق ليشاهد جميع ابناءه أمامه ومعه وكُلّ منهم يسُرد عليه قصة موته فهُنا نعيش الماضي مغلف بحاضر مختلط بالذكريات، نعيش قسوة الحرب وأثرها المفجع.. يطلب جندي التفتيش بعد صعوده الباص من أبو ليلى إبراز هويته لكنه لا يستجيب !! ..”سكتت الألسنة، لتفسح للخيال الثرثار صمتاً، يليق بسرد الفجيعة”.

لم تخلو الرواية بين صفحاتها من عناصر الدولة الإسلامية (داعش الإرهابية) التي خطفت الكثير من الأبرياء منهم الطبيب الذي رفض بيعة الخليفة ليكون مصيره القتل فهو شاهد على يد الدواعش الملوثة التي نهبت وقتلت واغتصبت السبايا واضاعت حقوق الله وشرعه فكان قتله اشرف و ارحم له من العذاب والمشاهد اليومية المميتة .. “كل مين مات ارتاح. ارتاح من همّ الحرب ومن همّ الخوف من الموت بأيّ لحظة ع الأقل”.

الكثير من مشاهد الطفولة و انتزاع أرواحهم التي لا ذنب لها “كم طفلاً مات رعباً قبل أنْ تقطع وريدّه سكّينُ وحش بشري؟..فكم يتَّمَتْ هذه الحرب اطفالاً، وتركتهم لمصير مفجع! كم طفل خرج من تحت الركام مذهولاً بعد حفلة عربدة للعفاريت المعدنية في الأعلى ليجد نفسه وحيداً ينادى على أبوين، ابتعلتهما الأنقاض.

رواية مؤلمة عن الوجع السوري صوّر الكاتب أحداثها في بعد إنساني وزمني مؤثر, وسرد وحبكة متقنة ولغة جميلة ما بين الفصحى و العامية التي كان وجودها مناسباً… ويبقى الواقع وما تشاهده العين اشد قهراً وألماً .

اقتباسات|

جان دوست | Jan dost |

روائي و قاص ومترجم وشاعر سوري كردي يقيم في المانيا منذ عام 2006, و لديه الكثير من كتب البحث والترجمة والدواوين الشعرية ومن رواياته|


Exit mobile version