لِكُلّ أَلَم حُدُود، و أَنَا أقدّر إنَّنِي بَلَغَت الْحُدُود. وَلَا وُجُودَ لَكَائِنٌ بِشَرَّي يَسْتَطِيع تَخَطِّي تِلْكَ الْحُدُود وَالْبَقَاء بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى قَيْدِ الْحَيَاةِ.

السَّاعَة الخَامِسةِ والعِشْرُون رواية سردية لَعَالم افْتراضي لا ينجُو منه أَحَدّ، أَحداثُها دَارَت أَبَان الحَرْب العالمية الثانية حتى نهايتها و منعت من النشر في أُورٌوبَّا في تَلْك الحقبة حتَّى سنة صدورها عام 1949, فهي ليست عن الحرب فقط بل عنَّ مصير الإنسان وإلغاء وُجُودُهُ فهو يُباع ويستبدل و يُحرق على المذابح ويُسْحَق على دواليب التَّعذِيب، و يعمل كالآلة لتدمير إنسانيته وعلاقاته الاجتماعية ليكون لا شيء مُجَرَّد رقم ذلك هُو الْعَصرَ التِّقني الَّذِي يجهل الإنسانية.
رِوايَة نال شخوصها القتلُ أو التعذيب والإهانة بَيْن براثن الحروب والسَّجْن وجُدرانه مثل تريان كوروغا الذي تنبأ بثورة قادمة البَشَر هُمْ من ضحاياها ووصفهم بالعبيد التقنيين وما أشد الوصف إذ يقول ” لن يكون للمرء حقّ في الحياة، بل سيعامل ،كأنه مكبس، أو قطعة من آلة حتّى إذا شاء أن يعيش حياةً إنسانية تعرض لسخرية العالم أجمع. هل رأيت في حياتك مكبسا يعيش حياة شخصية؟” وهذا ما كتبه تريان في روايته التي عنونها بـ (السَّاعَة الخَامِسةِ والعِشْرُون) ..
“وما السَّاعَة الخَامِسةِ والعِشْرُون إلاّ تِلْكَ السَّاعَةِ الَّتِي يتعذّر فِيهَا عَلَى الْإِنْسَانِ النَّجَاة بِحَيَاتِه مِنْ هَلَاك مُؤَكَّدٌ . هِي اللَّحْظَةِ الَّتِي تَكُونُ فِيهَا كلّ مُحَاوَلَة لِلإِنْقَاذ عَديمَة الْجَدْوَى ، أَنَّهَا لَيْسَتْ السَّاعَة الْأَخِيرَة ، بَلْ هِيَ سَاعَةٌ مابعد السَّاعَة الْأَخِيرَة ، سَاعَة الْمُجْتَمَع الْغَرْبِيّ ، إنّها السَّاعَة الرَّاهِنَة . . السَّاعَة الثَّابِتَة المضبوطة” .
تنقلب حياة تريان ليجد نفسه في السَّجْن كمجرم حرب الذي كتب أكثر من أربعين شكوى واصفًا فيها أَحْوَال السُّجناء وَمَا يتعرَّضُوا له من مسخ للشخصية متأملاً أن تكون كممر ينفذ هو وبقية السُّجناء منه فَهَل ياتُرى يُنظر فِي أَمْرِهِ؟! بالتأكيد لا فهو مجرد رقم فقط..
تنقلب أيضا حياة إيوهان موريتز في لحظة ولم يكُنْ له ذنب سِوَى إنَّهُ إنسان لديه طُموح بالسَّفر إلى أمريكا ثُم العودة للزواج بالفتاة التي أحبها وشراء أرض ليبدأ بها حياته كحراث ولكن لم تُشرق الشَّمس عليه حتى وَجد نفسه مُجرداً من اسمه وهويته وجنسيته وتلك الإنسانية التي سُلبت منه قَهرًا ليكون اسيراً للمعتقلات من معتقل لآخر وبصفته أيضًا مجرم حرب وكُل دولة له فيها تهمة جديدة مُلفقة فكيف تَمُرَّ عليه السَّاعَة الخَامِسةِ والعِشْرُون؟!
لَم يَسْتَطِيع شَيْءٍ بَعْد الآنَ أَنَّ يسكتني، لَمْ يَعُدْ فِي الْعَالَم سَجْنٍ أَوْ زِنْزانَة تُخْنِقُ صرخاتي سَيَكُون مَوْتِي صَرْخَةً ثَائِرَةٌ تَخْتَرِق الْأَذَان وَالْعُيُون وَالْجِلْدُ فَيُشْعِر بِهَا كُلُّ مِنْ حَوْلِي أَنَّ هَذِهِ الصرخة ستدوي فِي الْجِهَاتِ الْأَرْبَعَة وَلَن يَسْتَطِيع إنْسَانٌ أَنْ يَفْلِتَ مِنْهَا أبداً حَتَّى الْمَوْت.
يعجز القارئ احيانًا في كتابة مُراجعة تليق بما قرأ وهذا ما حصل معي أثناء قراءة هذه الرواية الرائعة التي شدتني أحداثها من صفحاتها الأولى فعنصر التشويق بها جعلني التهم صفحاتها للوصول للنهاية بالرغم ما فيها من وجع كما بها الكثير من الوقفات المؤثرة التي جعلتني في حالة تفكَّر وتوقف عن القراءة لأخذ نفس طويل ثم العودة للقراءة .. إنه عمل رائع، سرد إبداعي، رواية مليئة بالأحداث التاريخية والسياسية مليئة بالشخصيات والمصير والهوية المفقودة مليئة بالقهر والوجع والأهم من ذلك هي عن الإنسان الذي يدفع ثمن الحياة من عقله وليس من دمه فإن لم يدفع يحرم من حقه في الحياة..إنها مأساة بشرية نخوض غمارها بين سطور هذه الرواية الديستوبية. فإيوهان موريتز وتريان كوروغا يمثلان رمز من رموز الظلم وتجرد الإنسانية داخل المعتقلات وماهي إلا اسقاط على واقعنا اليوم الذي كثرت فيه الحُرُوب المأساوية التي دمرت الإنسانية ففي هذا العمل لا يوجد نهايات سعيدة كما قال تريان.
أَلَيْسَ فِي كلّ قِصَّتَك مَوْقِفٌ مُفَرِّح وَاحِد؟ نِهَايَةٌ سَعِيدَة ؟
أَجَاب تَرَيَان مُعقّبا :
كلاّ لَيْسَ فِيهَا نِهَايَات سَعِيدَة.
رواية السَّاعَة الخَامِسةِ والعِشْرُون من ستة أجزاء والجزء السادس سماه الكاتب بالفصل الأخير وياله من فصل مؤثر فالرواية عمل ابداعي بمعنى الكلمة ويترك أثر لا يُنسى في الذاكرة فما كتبه قسطنطين هو عين على التاريخ وعن تأثير الحروب ومصير الإنسانية أما الترجمة فهي ممتازة وتعد من الروايات التي يعاد قرائتها مرة أخرى كما أنصح بتجاوز مقدمة الرواية التي كتبها د. عبدالله إبراهيم لما فيها من حرق لبعض الشخوص ومصيرها فقد تجاوزتها وكان لدي حدس بوجود أحداث لا أود معرفتها إلا من خلال قرائتي للرواية ثم العودة لها. الرواية تستحق القراءة وتستحق الخمس نجوم.
قسطنطين جورجيو | Constantin Virgil Gheorghiu

كاتب وروائي روماني ودبلوماسي ولد في رومانيا عام 1916, عاصر الحرب العالمية الثانية وكان اسير حرب بها عام 1944، وخرج بعدها وتوفي في باريس.منعت الرواية من النشر في أوروبا ثم صدرت في فرنسا بعد الحرب العالمية بأربع سنوات وقيل ثلاث سنوات فقسطنطين كان معتقلاً في هذه السجون، ومن أعماله الأخرى رواية بعنوان “شحاذوا المعجزات“.
حُول هذا العمل إلى فلم سينمائي مدته ساعتين بنفس عنوان الرواية (The 25th Hour) عام 1967, بطولة الممثل الامريكي المكسيكي انطوني كوين Anthony Quinn الذي مثل شخصية إيوهان موريتز أما دور سوزانا جسدته الممثلة الايطالية فيرنا ليزي Verna Lisi..ولمن يرغب بمشاهدة الفلم من هنا أو من هنا.

اقتباسات|
- لم يستطيع شيء بعد الآن أن يسكتني، لم يعد في العالم سجن أو زنزانة تخنق صرخاتي سيكون موتي صرخة ثائرة تخترق الآذان والعيون والجلد فيشعر بها كل من حولي إن هذه الصرخة ستدوي في الجهات الأربعة ولن يستطيع إنسان أن يفلت منها أبداً حتى الموت.
- لكل ألم حدود، و أنا أقدّر أنني بلغت الحدود. ولا وجود لكائن بشري يستطيع تخطي تلك الحدود والبقاء بعد ذلك على قيد الحياة.
- أريد أن أُنصف. لكنّني أرى أنّ عدالة الإنسان قد ماتت على طول الأرض وعرضها، لذلك فإنني لا أريد شيئًا آخر.
- إن معظم الناس على هذه الأرض ليسوا مغامرين. ومع ذلك فإنّهم جميعا يمروّن أحيانًا مرغمين بمغامرات يعجز أكبر روائي الإثارة عن تخيّل مثلها.
- إن الأمل الوحيد الذي نحتفظ به حتّى الآن هو أن لا نكون أمواتًا. غير أن الأمل لا يمكن أن يضاهي الحياة نفسها. فالأمل عشبة تنبت حتّى بين القبور.
- لقد خلق الغرب حضارة تشبه الآلة و هو يرغم الإنسان على الحياة في صميم هذا المجتمع ويدعو إلى التطبّع بطبائع الآلات وقوانينها لكنهم بذلك يقتلون الإنسان بإخضاعه للقوانين التي تهيمن على الشاحنات والساعات.
- لقد كان الإنسان في المجتمعات البربرية مثلا، أقل قيمة من حصان هذا يحدث في عصرنا عند بعض الشعوب أو بعض الأشخاص.
- التصنيف الأدبي | رواية
- ترجمة | فائز كم نقش
- تقديم | د. عبدالله ابراهيم
- دار النشر | الرائعون مسكيلياني
- عدد الصفحات 496
- مكان الشراء | مكتبة كينوكونيا