مراجعة رواية القوقعة – مصطفى خليفة

التصنيف: 5 من أصل 5.

الكثير من كتب أدب السجون التي قرئتها مازالت احداثها مُعلقة بذاكرتي لقوتها عليّ لأنها مغلفة بالتعذيب والإهانة والكثير من وسائل التعذيب الجسدي والنفسي خلف هذه السجون  ..ولا تقل رواية القوقعة عنهم بل هي أكثر مما يتوقعه ومالم يتوقعه الانسان من جبروت وطغيان .

تبدأ احداث الرواية بعودة شاب مسيحي يحمل بداخله شوقاً لأهله ووطنه الذي افتقده اثناء وجوده في فرنسا للدراسة فيُعتقل لحظة وصولة مطار دمشق من قبل المخابرات السورية ثم إلى السجن الذي قضى فيه ثلاثة عشر سنه وفي مهجع مُزدحم وبين مسلمين متشددين و نجد بين جدرانه الشباب والمراهقين وكبار السن والمرضي واصحاب النفوذ والرتب العسكرية العالية والكثير من الأكاديمين يُمارس عليهم القمع و الدكتاتورية و جميع أنواع وطرق التعذيب ومن البديهي أن يكون السجن حاضنًا للكثير من الأوبئة والأمراض الفتاكة المعدية التي قتلت الكثير منهم ..

القوقعة رواية صادمة الاحداث والتفاصيل تحتاج استعداداً لقرائتها ومعاصرة محتواها المؤلم فأدب السجون يُقرأ لمن يمتلك قلباً قوياً.. و هو انفصال وتجرد تام عن العالم الخارجي ثم صعوبة في العودة للحياة الطبيعية بعد فترة طويلة من التعذيب المستمر فإحساس الذل والمهانة والألم يُحفر في الذاكرة.. وما يميز هذه الرواية إن بطلها هو المسيحي الوحيد في السجن وهذا ما انطبق عليه عنوان الرواية “القوقعة” والتي عاشها هذا الشاب السجين منبوذا من الجميع حيث يقول: كسلحفاة أحسّت بالخطر وانسحبت داخل قوقعتها،”.. “ أجلس داخل قوقعتي .. أتلصص، أراقب، أسجل، وأنتظر فرجًا” وحتى تحين لحظة خروجه يتحول لشخص آخر فاقداً طموحه وأحلامه و يجد نفسه في قوقعة اكبر مساحة من التي عاشها بالسجن وهذا ما ابعده عن الناس والمجتمع ليقول “اتركوني بسلام فأنا لا أريد منكم شيئاً

ألمتني جداً الصراعات والمواقف المؤثرة في السجون السورية  من تعذيب وقتل، ألم مستمر، قهر دائم، و تحطيم للذات ومن المواقف التي استوقفتني،هي وقت إجراء عملية الزائدة الدودية لأحد السجناء!! لا استطيع كتابة الشعور الذي انتابني حينها برغم غرابته وعدم قدرتي لاستيعابه . ايضاً موقف التلصص من ثقب الباب والذي اشبهه بعدسة ثلاثية الأبعاد تصور مشاهد قمعية مؤثرة لأبعد حد والكثير من هذه المواقف التي ستجدونها في سطور رواية القوقعة و التي تُعصر القلب.

مصطفى خليفة ابدع في سرد هذه اليوميات باسلوب يشد القارئ و طغت على الاحداث اللغة العامية التي رأيتها مناسبة لمناخ السجون برغم عدم تقبلي للهجات العامية إلا انه مع القراءة المستمرة وجدت بأنها “احيانا” تخدم النص من ناحية المصداقية التي تصل للقارئ 🔺ايضاً يتخللها الكثير جداً من الألفاظ البذيئة والغير مستحبة التي تمتلئ بها كتب أدب السجون وتستخدم عادة للإهانة ولتحطيم السجناء و اذلالهم وتدمير إنسانيتهم.

هذا الكتاب لمحبي أدب السجون ومن يملك قلباً قوياً .. ومن اصدارات الكاتب بعد رواية القوقعة رواية رقصة القبور وهي من دار الآداب ..

واختم مراجعتي بهذا الاقتباس| “الفائض الرئيسي في السجن هو الوقت، هذا الفائض يتيح للسجين أن يغوص في شيئين، الماضي والمستقبل وقد يكون السبب في ذلك هو محاولات السجين الحثيثة للهرب من الحاضر ونسيانه نسياناً تامًا

مصطفى خليفة| هو كاتب وروائي سوري ولد في مدينة جرابلس ثم انتقل إلى حلب، شارك في العديد من النشاطات السياسية في فترة شبابه والتي سجن على أثرها مرتين امتدت في المرة الثانية إلى 15 عاماً؛ تنقل خلالها بين العديد من السجون أبرزها سجن تدمر و سجن صيدنايا والتي استمد منها روايته القوقعة ، هاجر منذ عام 2006 إلى الإمارات العربية المتحدة بعد أن كان ممنوعاً السفر خارج سوريا  ومن ثم إلى فرنسا حيث يقيم اليوم. متزوج من الناشطة سحر البني شقيقة الناشطين السياسيين أكرم وأنور البني. (المصدر ويكبيديا)

اقتباسات |

ABEER
ABEER

قارئة محبة للكتب .. هنا ‏⁧أضع مراجعاتي لكتب قرأتها و تعبر عن وجهة نظري الشخصية فما يعجبني قد لا يعجبك، فهي وجهات من منظور شخصي لكل منا..

اترك رد